منوعات
مقال متميز

ماذا تعرف عن مدينة الموصل في العراق

5
(4)

ربما سمعت عن الحضارة الآشورية، و ربما تساءلت أين هي الآن و أين هم أبناؤها. ربما مر بك إسم قرية ذكرت في كتب التاريخ القديم و ربما اندهشت الآن و أنت تسمعها في نشرة إخبارية. هذا ما سآخذك إليه! رحلة إلى مدينة الموصل في العراق.

هواء الموصل فريد

الجامع الكبير في الموصل

حدثني صديق عراقي عن مدينته ثم اقترح علي الكتابة عنها. ولأني أحتفظ للعراق بمكانة خاصة، فقد تحمست للفكرة. لكني أيضا تريث حتى أتعرف أكثر على المدينة الإنسان، فمع شهرة الموصل عبر تاريخها الطويل، إلا أن الحلقة التي تجعلني قادرة على التفاعل مع أي شعب، هو المواطن.. نساء و رجالا، شبابا وشيوخا. أرسلت بعضا من الأسئلة للصديق العراقي حتى أتمكن من معرفة وجهات النظر بصفته ابن الموصل ويقطنها. ذلك يخول لي الحضور الوجداني مع أهالي المدينة. إني مع هؤلاء السكان البسطاء والذين مثل غيرهم في العالم يحلمون بحياة آمنة مفعمة بالسلام والكرامة. ولكن الموصل تحتفظ بأسرارها التي تجعلك تشم هواءها الفريد، و هو هواء آشوري.

هذا الضوء يليق بك

نينوى من أشهر المدن الآشورية

ذات زمن، سار نبي الإسلام مقهورا بين دروب الطائف. لقد طارده أهلها و لم يتبق له سوى أن يرفع يديه شاكيا لله تعالى محنته، تلك اللحظة اقترب منه شاب يحمل عنقود عنب مدها للرسول الكريم، بدا الشاب مختلفا عن أهالي الطائف، فسأله الرسول عمن يكون، فأجابه الشاب أنه من نينوى. لعلك أيها القارئ الكريم تشعر برحمة تلك اللحظة! و لعل نينوى ظلت راسخة في الذاكرة، و أنا هنا لأدعم فضولك!

هناك مدن تأسرك و أنت بعيد. تترك لديك إحساسا بلقاء حصل بينكما، مثل هذه المدينة. الموصل الأثرية القديمة و حضارتها الشهيرة. إن أردت وصف الموصل، سأصفها بمدينة الشمس. وهذا يناسبها تماما، ليس فقط لأن معبد الشمس الآشوري ينتصب شامخا في محافظة نينوى منذ آلاف القرون، و نينوى هي العاصمة للامبراطورية الاشورية في الألف الثالث قبل الميلاد. نينوى ذاك السهل العظيم حيث تعاقبت الحضارات القديمة لتشكل ميزة عراق اليوم. نينوى اليوم مرتبطة بمدينة الموصل التي تمثل مركز نينوى و ثاني أكبر مدينة في العراق بعد بغداد. كانت فعلا شمس الحضارة العراقية. هناك حكايات في الموصل أريدك أن تعرفها.

  • حكاية تعايش: الموصل مدينة تصل بين ضفتي نهر دجلة، سكانها من الآشوريين بصفة خاصة، و الأكراد والتركمان والعرب…تعرف تنوعا دينيا منذ القديم، بين المسيحية و اليهودية و الإسلام و الزيدية و غيرها. إنها مهد الحضارة الأكادية والبابلية، الآشورية والكلدانية وغيرها من الحضارات العظيمة التي شكلت من الموصل مدينة الإستثناء. استثناء يتجلى في كثافة التنوع الثقافي للمدينة وفي امتداد هذا التنوع عبر التاريخ.
  • حكاية ألم: لعل الكثير من مدن العالم لها حكاياتها مع الألم. بالنسبة للموصل فآلامها القاسية متفردة كفرادة تاريخها. تعرضت الموصل لأسوء هجوم عرفته في تاريخها الطويل. هجوم بخلفية دينية مظلمة. ذاعت في العالم صور الخراب و الدمار الذي نهجته قوى الظلام في مدينة الشمس. لماذا الموصل!…لماذا هذه المدينة بالضبط. لأن شمس التعايش مؤلمة و لا تسعد الجميع!

آثار الشمس في حضارة الموصل

تمثال آشور المجنح

صمدت المآثر الآشورية، أسوارا وتماثيلا ونفائس أثرية للحضارات القديمة أكثر من 3200 سنة، سوي الكثير منها بالارض و صارت أنقاضا طيلة سنوات طغيان قوى الظلام امتدت بين 2014 الى 2017. رسميا اعتبر علماء الآثار أن الموصل فقدت 90% من آثارها. فسور نينوى الأثري جرفته جرافات الظلام، وكذلك معبد الهة الشمس الآشورية، والملاك المجنح آشور. وكل التماثيل التي اعتبرت أوثانا بينما هي مآثر حضارة لها مراحلها و تغيراتها عبر الأزمنة.
تم تدمير مراقد الأنبياء يونان (يونس) و النبي جرجيس، والنبي شيت…بدعوى الخوف من أن تصير قبورهم مساجدا! كما دمرت منارة الحدباء الإسلامية، التي بنيت في العهد الزنكي في القرن 12م. يعزي البعض دمار المنارة إلى قوات التحالف الأمريكية، التي أثناء قصفها الجوي لقوى الظلام دمرت الجسور الخمسة للموصل أيضا. تم تخريب قبور علماء مسلمين و قديسين مسيحيين وغيرهم من أعلام الديانات المتعايشة في المدينة.
إن كثافة التدمير للمآثر القديمة و لأماكن العبادة شكل صدمة لكل العالم، لكنها صدمة أكبر لسكان الموصل الذين مثلث هذه الآثار استثناءهم وكبرياءهم و تميزهم بين الشعوب.

الموصل، حجم الثمن

جسر على نهر دجلة
  • بين الشق الايمن والايسر للمدينة، ضرر انساني: مع دمار المدينة إلا أن لا شىء يوازي دمار النفوس. إنه الألم الذي تحكيه وجوه السكان، ملامح الأذى الذي أصابهم في العمق. لقد خسر الناس أحبابهم…هلك الآلاف من سكان المدينة، ولا زال المفقودون تحت أنقاض تراكمت عليها السنين.
  • بين الشق الأيمن والأيسر للمدينة، حكاية أخرى: بعد التحرير من عدوان الظلام، تبدو الموصل تحت إكراهات التحولات المختلفة التي عرفها تاريخها في طريقها الصعب نحو غد يزحف على طريق شبيه بجسر تتقاذفه المصالح الطائفية والحساسيات السياسية، بينما شمس آشور التي بصمت المدينة منذ القدم تذكر الجميع بمهد التنوع الإنساني لضفاف دجلة. الشعوب تمر من محطات عسيرة، هي نفسها المخاض الذي تمر منه الموصل اليوم، ورغم كل تفاصيل المعاناة، إلا أن التاريخ يحتفظ بارادة الشعوب المتمسكة بمقاومتها الذاتية. إن الموصل بكل كبرياء تعيش بالأمل..ذاك الضوء الذي ميز تاريخ المدينة، لا محالة يتوهج من جديد.

ما تستحقه الموصل

أطفال من مدرسة في نينوى

تستحق الموصل أن نتذكر حكايتها الإستثنائية. لعل أهم شىء علينا فعله أينما كنا هو الوعي بالخلفية الفكرية التي تنتج آلام الشعوب و خراب ممتلكات الحضارات. تذكرنا الموصل بالجمال البشري الذي تعبر عنه الثقافات و الحضارات العظيمة، تجعلنا نقع في محبة الإنسانية فقط لأنها بهذا التنوع و البقاء المدهشين. تستحق الموصل أن تتوهج كخيوط شمسها القديمة التي لم تنطفئ. لقد حضنتني و أنا في بلاد بعيدة، فقط لأني قرأت عن شمسها في كتب التاريخ القديم، شمس كهذه لا تأفل. جينات الشمس لا تنمحي، إني أراها في ملامح أرض الموصل الشاسعة. محبة و بركة!

قد يعجبك:
أفضل 10 أشياء يجب القيام بها في الخريف
بيلماون: أصل و تاريخ كرنفال الكبش في المغرب
أهم غرائب و عادات المغاربة في عيد الأضحى
كل ما يجب أن تعرفه عن الرقص في المغرب
الفنون في الهند، أسرار و أساطير
أجمل 3 أساطير مغربية
كيف تسكتين الصوت السلبي في داخلك

ما مدى فائدة هذا المقال؟

انقر على نجمة لتقييمها!

متوسط ​​تقييم 5 / 5. عدد الأصوات: 4

لا توجد أصوات حتى الآن! كن أول من يضع تقييم.

خديجة يكن

قصاصة وروائية. كاتبة مقالات. مغربية أبدية، حالمة أبدية، أشارككم أفضل ٱكتشافاتي في مختلف المجالات الخاصة بالمغرب. بفضل هذا الموقع يمكنك أن تجد مقالات مثل الخطط الجيدة. تابعني في شغفي!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى