منوعات
مقال متميز

الفنون في الهند، أسرار و أساطير

5
(4)

أنواع الفنون في الهند كثيرة و جميعها تحمل ترانيم نابعة من صلوات الآلهة. هكذا هو الرقص و الموسيقى الهندية، إنها جزء من الفنون الهندية التي تخفي أسرارا و أساطير. ندعوك لتكتشف هذا العالم الفريد!

الهند: ثقافة و عبادة

تعتبر الهند من البلدان التي تعرف تعددا كبيرا في الثقافة و اللغات و الأديان، كل ذلك ينتج تقاليد و فنون مختلفة و ثرية جدا. من أهم هذه الفنون في الهند، الرقص و الموسيقى و الغناء. إن هذه الفنون الثلاثة تمثل تقاليد و انتماء و تعبيرا عن النبل، ففي جميع المناسبات يتم تجديد هذا الإنتماء في حفلات و مهرجانات تدعم أكثر ثقة الناس بقيمة تراثهم و أصالة حضارتهم. الكثيرون عبر العالم يعرفون السينما الهندية، و الكثيرون سمعوا موسيقى هندية و رأوا رقصا هنديا و ذلك لأن السينما الهندية تجمع كل هذا الكشكول الفني و الثقافي في أفلامها، لكن ليس كل هؤلاء الناس يعرفون أسرار تلك الفنون و لا جذورها سواء كانت أغاني، رقص أو موسيقى، فهل تعلم أن كل ذلك كان عبادة!

أسفار الفيدا المقدسة

الفيدا، هي نصوص مقدسة في الديانة الهندوسية لأنها تأتي مباشرة من الكون.

في الهند كل منطقة و كل ثقافة لديها بصمتها الفنية وهي تحدد الروح الشعبية، و جميع هذه البصمات الفنية تستمد حياتها من جذور دينية خالصة. تمثل أسفار الفيدا المقدسة تعاليم المعرفة و الحكمة التي يتم أداؤها عبر طقوس من الترانيم و الأدعية والأغاني الدينية و الحركات الرشيقة المعبرة عن رسائل صامتة بلا كلمات، كل هذه الطقوس كانت ترافق شعائر القرابين و النذر للآلهة. أكثر هذه الفنون المحملة بالملامح الدينية هي الرقص و الموسيقى. إن الرقص في الهند و منذ القدم هو عبارة عن صيغة تعبدية، و هذا ما يشرحه كتاب “ناتيا شيسترا”. حيث قام براهما (و هو الخالق في الديانة الهندوسية) بإضافة سفر خامس إلى أسفار الفيدا الأربعة بعد أن طلبت منه الآلهة ذلك. رغبت الآلهة أن يكون للناس كتابا عن الفنون يمكن للجميع تعلمه بسهولة. فحقق براهما هذا الطلب بتأليفه لكتاب “ناتيا فيدا” الذي يتضمن فنونا مختلفة من غناء، و إنشاد، و هندسة، رقص و موسيقى و رسم و نحت وغيرها من الفنون. الحقيقة أن أي متأمل للثقافة الهندية لن يصعب عليه ملاحظة هذا الإرتباط و التداخل بين جميع أشكال هذه الفنون بالعقائد الهندوسية. فالملاحم و الحكايات و الأساطير لا تختلف عن العقائد وكل ذلك يتم نحته، رسمه، غناؤه، رقصه و تمثيله. فالأشكال الفنية في الهند لا تنفصل عن الفلسفات و العقائد الهندية.

الموسيقى الهندية

الموسيقى و الرقص في الهند هي صورة للإله شيفا

منذ قديم جدا، كانت الموسيقى و الرقص في الهند عبارة عن نغمات دينية ذات صبغة مقدسة. لأنها صور من الغناء أداها الإله شيفا بنفسه. للنغمات الهندية مبادئ مقدسة لابد من مراعاتها. أي صوت ونغمة عليها أن تتخيل الإله شيفا أمامها و إلا فهي ستحصل على غضب الإله فيشنو الذي تقول الأسطورة ” إن العازف نارادا لم يكن يهتم بالنغمات المحددة، و أنشدها في إهمال و قلة اكتراث. و لم يشعر العازف إلا و الإله فيشنو يلقي به في الجحيم، و هناك في الجحيم رأى رجالا و نساء يبكون و قد تحطمت مشاعرهم، فقال له الإله فيشنو: هؤلاء الرجال و النساء هم النغمات التي شوهتها و حطمتها بعزفك المستهتر، فبكى نارادا و أقسم أن يقدم فنا أكثر إتقانا و أكثر احتراما و تقديرا”. يعتبر الإله شيفا إله الرقص، و رقصه يرمز لحركة العالم. من هذا المعتقد يحرص الفن الهندي بتقديم أنغام رخيمة متقنة و بأصوات عذبة مبدعة احتراما و تقديرا للإله فيشنو الذي يغضب من الفن الرديئ.

الرقص الهندي

هدف الرقص الهندي تحقيق البهجة و السرور و التعبير عن الحياة الجميلة و ألوانها المتعددة

عرف الرقص الهندي حكاية طويلة من التدرج عبر مراحل كانت بدايتها في المعابد. ففي القديم جدا، كان الرقص في الهند عبارة عن حركات دينية و كل حركة ترافقها نغمة تسمى “راجا”، و كل راجا هي نغمة خاصة لها لون معين، حالة نفسية معينة أو عاطفة معينة. فكل نغمة يتم اختيارها حسب الظرف الزماني و المكاني. إن اختيار النغمة أساسية بحيث يمكن أن تغير الواقع فقط بصدقها و إتقانها و قوتها المبدعة، فهناك أسطورة هندية تعبر عن القوة الروحية لهذه النغمات، ففي الأزمنة القديمة قامت راقصة بنغالية بغناء راجا معينة وهي نغمة ” سنغ مالار” فقامت الآلهة برفع الجفاف و القحط الذي تعاني منه البلاد و نزل مطر كثير.
أساليب الرقص الهندي متميزة عن غيرها في العالم، إنه فن حريص على التناسق البدني. فهي كما لو كنت ترى صورة تتحرك أمامك بدقةو رشاقة تطلبت الكثير من التداريب و الإلتزام بضوابط هذا الفن الروحي بالأساس، هدفها تحقيق البهجة و السرور و التعبير عن الحياة الجميلة و ألوانها المتعددة. هناك أنواع مختلفة من الرقص الهندي، لكن أنواعها الرئيسية تقدم في كامل الهند و ليس فقط في مناطقها الأصلية، مثل:

  • رقصة بهاراتا ناتيام:
رقصة بهاراتا ناتيام

بهاراتا ناتيام الرقصة الشعبية في منطقة تامل نادو. هو تراث قديم يعود إلى 2000 سنة، تتطلب هذه الرقصة التخلي التام عن الروابط الدنيوية و يعلم السمو النفسي لمن ترب في أداء الفن الإلهي. تمكن هذه الرقة عبد الأوضاع لدقيقة لليدن و القدمين من إبراز جمالية التكوين الجسدي.

  • رقصة كاتاكالا:
رقصة كاتاكالا

كاتاكالا الرقصة الشعبية في منطق كيرالا. لوحة تقليدية يتم أداؤها في الساحات و الشارع العام. تتميز بفخامة ملابسها و زينتها، يقدمها الرجال و هم يلبسون تنانير قصيرة و أقمشة فاخرة، هذه الرقصة يتم فيها حكي أساطير تفرض مواضيعها نوعا من الماكياج و الأقنعة التي يضعها الراقصون و التي تعبر عن الشخصيات و حالاتها النفسية.

  • رقصة كوشيبودي:

كوشيبودي الرقصة الشعبية في منطقة أندرابرديش. رقصة ساحرة جدا و هي صورة قديمة للدراما الفنية. حركاتها متناسقة و معبرة عن روح المعابد.

  • رقصة نافراتري:
رقصة نافراتري

نافراتري رقصة شعبية تتميز بكونها تستمر تسع ليالي، تسمى أيضا رقصة الآلهة النساء..

  • رقصة ديوالي:
رقصة ديوالي

ديوالي، الكثيرون يعرفون هذا الإسم لأنه يتكرر في الأفلام الهندية. إنها أشهر أنواع الرقص الهندي، تعرض هذه الرقصة في مهرجان الأنوار و هو احتفال الحصاد، إنها الرقصة الشعبية في كامل جنوب الهند.

ميثولوجيا هندية

الرامايانا-المهابهاراتا

جميع أشكال الرقص الهندي تنبع مواضيعها من الميثولوجيا الهندية. فأسطورتي الرامايانا و المهابهاراتا مصدر واسع للحكايات التي يتم تجسيدها عبر الرقص. ففي هذه الأساطير تجسد الإله فشنو عشر تجسدات و تختلف حكاياته مع كل تجسد، يتم حكي تلك الحكايات الأسطورية عبر تعابير دقيقة جدا للملامح و الحركات التي ترافقها موسيقى حساسة و مرهفة تنجح بشكل ساحر في إيصال الحكاية إلى روح المشاهد و ليس فقط إلى ذوقه الفني. قد لا نفهم معاني الأغاني الهندية لكن الأكيد أن الموسيقى تصل إلى الأرواح. تذوق هذه الموسيقى يجعل الأذن و الروح تتدرب على الإحساس بالفن البديع و الهدوء و التأمل. جمال الحركة و الإيقاع في الرقص و الموسيقى الهندية هو تكريم للآلهة التي من أجلها يحرص الفن الهندي بتقديم إبداع في أقصى درجات الكمال.

خلاصة: بعد هذه النبذة عن الفنون في الهند، لا نستغرب النهضة التي عرفتها السينما الهندية و تميزها بنوعية مواضيعها الأخلاقية عموما و طريقة التعبير عنها عبر التمثيل و الفنون و الأزياء و الموسيقى و الرقص، لأن الهند من أقدم بلدان العالم في التمثيل و باقي الفنون التي بدأت في المعابد و انتقلت إلى بوليوود.

شارك المقال و انخرط في نشرتنا الإخبارية ليصلك جديدنا.

ما مدى فائدة هذا المقال؟

انقر على نجمة لتقييمها!

متوسط ​​تقييم 5 / 5. عدد الأصوات: 4

لا توجد أصوات حتى الآن! كن أول من يضع تقييم.

خديجة يكن

قصاصة وروائية. كاتبة مقالات. مغربية أبدية، حالمة أبدية، أشارككم أفضل ٱكتشافاتي في مختلف المجالات الخاصة بالمغرب. بفضل هذا الموقع يمكنك أن تجد مقالات مثل الخطط الجيدة. تابعني في شغفي!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى